هكذا و ببساطة شديدة ابسط من كلمة شكرا يستيقظ المرء ليجد نفسه فجأة واقفا في الفراغ لا يسمع سوى دقات قلبه و ذوي عقارب الساعة ثم يبدأ ذلك الصوت في الارتفاع و الارتفاع إلى أن يصم أذنيه فيلتفت حوله يمينا و شمالا ليجد حوله تلك العقارب السامة التي تجر ذيلها من اليمين إلى الشمال بحركة رشيقة و مثالية لا تشوبها شائبة و لا تتمكن نازلة من إيقافها حاملة معها أحلى أيام عمره فيما هو واقف في مكانه اخرس أصم لا يملك من أمر نفسه خيرا و لا شرا ثم تتضح الصورة شيئا فشيء ليرى الناس من حوله كل يركض في سبيله في سباق مميت مع دلك الوحش الذي يطلقون عليه اسم الزمان بعضهم يركض نحو المال و البعض الآخر نحو الجمال الشهرة السلطة و بسطائهم يبحثون عن الحب الهدوء السعادة و تستمر الحياة كل يسعى وراء هدفه بكل ما أوتي من قوة أما هو فيظل في مكانه واقفا متفرجا كله طموحات و أحلام ما لبث أن رآها أوهاما بعد أن أصبح مقيدا بسلاسل و أغلال تعجزه عن التمرد عن الثوران بل و حتى عن الحركة وقف في مكانه متفاخرا بكل ما يملك باسطا يديه المزينتين بالأغلال الذهبية كأنها إحدى أغلى أنواع الحلي يستعرض مفاتنه كأنه إحدى دمى العرض واقفة على واجهة محل من أفخم محلات نيويورك.. نيويورك مدينة الحرية لطالما كانت تحتل جزءا من أحلامه البسيطة كان يتمنى رؤيتها و لو لمرة في حياته يتأمل جاذبيتها عن قرب يقيس أبعادها يفحص شوارعها و يشم هوائها الملوث ليتأكد من أنها نفسها التي يراها في الأفلام إنها الأفلام ربما هي فمن كثرة ما يشاهدها فقد أثرت على عقله و جعلته يبتعد عن حياة الواقع و يحلم أحلاما اكبر من حجمه و متى كانت الأحلام اكبر من حجم الإنسان لمادا يستكثرون عليه حتى الأحلام ...حدث أن تجرا إحدى المرات و سألهم لماذا و كانت من المرات النادرة فأجابوه إن الأحلام ما خلقت إلا كي لا تتحقق و إلا..ثم سال و إلا ماذا و إلا ستصبح واقعا و أنت لا واقع لك ..لا واقع لك كلمة ظلت تتردد على ذهنه كثيرا لماذا لا واقع له لماذا هو لماذا يفعل به هكذا دون غيره ..لماذا يستمتع برؤية ضعفه لماذا احضره لهذا الوجود إن هو لا مستقبل له حياته تدور حول حلقة مفرغة ..الماضي يكرر نفسه فقط التفاصيل تتغير كل مره لا من باب الترويح عنه و إسعاده لكن فقط كي يظل جاهلا بما يدور حوله كي لا يصل إلى مرحلة الإدراك كي يبقى دائما هو الأضعف الذي لا يملك من أمر نفسه شيئا ..يظهر له بصيص نور من خلال النافذة يؤلم عينيه في الوهلة الأولى لكن ما يلبث أن يستعيد وعيه حتى يبصر الناس يسرعون نحو القطار ..القطار يتململ ببطء و الكل يركض حوله يا الهي يجب أن يركب أيضا انه القطار الموعود لكن من دون جدوى حتى أطرافه لا تساعده و هو في أحوج لحظاته إليها يحاول تحريك قدميه ثم يديه لكن لا حياة لمن تنادي كأنه مخدر الحواس رفع عينيه متضرعا إليه ساعدني من فضلك أنا في حاجة إليك اثبت لي انك بجانبي حقا انك موجود ..صرخوا في وجهه كيف تجرا هل جننت انه ارفع من أن ينظر إليك من أنت حتى يتبث لك ..صدق أو لا تصدق تلك مشكلتك وحدك..رضخ للأمر الواقع اسند رأسه ثم فجأة استيقظ من غفوته على وقع جلبة فإذ به ينتبه إلى نفسه آه انه في قطار.. انه قطاره الخاص دقق النظر قليلا فإذ به يسبق القطار الأخر يسبقهم جميعا لا بد انه قد عفى عنه أخيرا من ذنب لم ينل فرصة اقترافه أصلا نجح أخيرا في إرضائه لقد خصص له قطارا سريعا خاصا به وحده لم يتردد في شكره قائلا كنت اعرف انك لن تخذلني كنت اعلم انك الأفضل كنت اعرف أن مكانتي عندك أسمى من أن تتلاعب بي .. تنفس الصعداء حتى استطاع أن يشعر بالهواء النقي يخترق كل خلية من خلايا جسمه ..أحس بالدماء تتسرب إلى رئتيه لتعيدهما إلى الحياة أحس بذلك الهدوء الهدوء الداخلي الذي لا طالما وصفه الأدباء انه هدوء تتبعه عاصفة تسرب الخوف إلى قلبه قليلا هكذا هي حاله دوما لا يستقر على مزاج و يا ليته كان يملك أمر استقراره على أي ما كان ..ثم يلمح الجميع يلوحون اليه مودعين يبتسم بفخر و أخيرا سأسبقهم سيؤمنون أخيرا أنني الأوفر حظا ..لكن في ابتساماتهم شيء من السخرية ..سخرية كان قد عهدها منهم ..غريب هل هو من يتذاكى أم أنهم يتغابون لطالما كرهوه و حقدوا على وقوفه دائما في المقدمة فلماذا يفرحون له الآن و هو الأسرع هو الأقوى هو من سيصل أولا إلى ....و قبل أن يتم هذه الجملة استجمع آخر ما تبقى لديه من شجاعة ..شجاعة اكتسبها من مجهوده الخاص في لحظات كان يسترقها من الشبح الملازم له الذي أطلقوا عليه اسم القدر..شجاعة لم يزرعها هو فيه فقد كان آخر همه تقوية شخصيته كان يريده أن يبقى فاشلا كما جلبه إلى هده الدنيا فاشلا ضعيفا أحيانا وصلت به الأمنيات لو انه استطاع أن يبقيه صغيرا ..فقد كان واقع انه كبر و نضج أقوى من أن يصمد أمامه و يتحمله كان يريد أن يكون الكبير الوحيد هناك خاصة انه كان يملك بالإضافة إلى شجاعته شيئا من القوة قليلا من الذكاء لمحة وسامة و ذرة طموح وتحد التي لولاها لما استطاع أن يصمد إلى حد الساعة ..أما صديقنا فقد تمنى في تلك اللحظة لو انه لم يستجمع تلك الشجاعة و لم ينظر إلى أين سيصل.. كان يعلم انه ماكر خداع لكنه لم يتصور أن يصل به الجبن إلى التخلص منه هكذا بهده الطريقة البشعة أن يرسله إلى الهاوية نعم الى قعر الهاوية التي قاسى كل أنواع الذل تفاديا لها كانت حياته المتوفاة تظل تتمسك ببصيص من الأمل إلى حد اللحظة التي انحدر فيها القطار و بدا ينزلق ببطء شديد بطء آخر لقطة من الفيلم ..اللقطة الحاسمة انتصار البطل أو موته لكن بما أن الموضة في نهايات قصص و أفلام هده الأيام هي الموت فقد كان الموت ..-لا اظن أن المخرج او الكاتب الدي نهج هذه الفكرة اول مرة كان يعلم انها ستصبح الموضة في هده الايام و ما كانت نيته أن يجعل افلامنا عبارة عن ماسي كواقعنا ..فما كان هدفه سوى تحقيق المثل القائل خالف تعرف - لمح بطلنا البحر ملوحا من بعيييد أمواجه تلامس السماء غضبا فهو أيضا ضحية من ضحاياه لطالما حمله مسؤولية أفعاله و ها هو الآن يحضر إليه ضحية جديدة يتحمل مسؤوليتها و يحمل ذنبها فوق أمواجه إلى الأبد حتى انه أصبح يكره قوته أصبح ساخطا ناقما على أبديته ..يقضي الآلاف يوميا على ضفافه و لا ملام إلا هو. يحضرون إليه بأرجلهم و يقال غدر بهم ما ذنبه و ما ذنبهم لماذا يحمل جرائم لم يرتكبها و يعاقبون على ذنوب لم يقترفوها و الفاعل واحد يتفرج من بعيد يلقي أشلائهم على بعضهم البعض و يدعي الشجاعة في برجه العالي يشاهد آخر لحظات الحلقة الأخيرة من موسمهم الأخير على شاشة ثلاثية الأبعاد
ثم حدث الارتطام لم يصرخ لم يستنجد لم ينبس ببنت شفة كان أرقى من كل هذا عاش برقي حتى و لو كان مزيفا و قد أن الاوان لكي يموت برقي غطس و صعد على سطح الماء عدة مرات ..بعد الغطس بأقل من دقيقتين أحس بجسمه يتصلب و بالماء يتسرب إلى معدته حتى الامتلاء و ما أن وصل إلى حنجرته حتى بدا يحطم أوتاره الصوتية شيئا فشيء بكل بساطة ثم يغلق مجرى تنفسه بعد أن توقف الهواء عن التسرب إلى رئتيه لتملئهما المياه و تتلفهما ..أحس باختناق ثم فقد وعيه و إلى الأبد .. و فجأة رن المنبه كانت اول مرة يشعر بالفرح و السعادة بسبب رنة المنبه الدي يوقظه ليبدا مسيرة عذابه اليومي و رغم ذلك من منا يحبذ الموت اه لقد كان مجرد حلم ..بل كابوس استدار من حوله ليشرب جرعة ماء فلم يجد الا الفراغ ثم فجاة سمع صوت دقات قلبه المختلطة بعقارب الساعة فصرخ :
مستحييل
Aout 2010
بقلم : خولة دحان