علم نفس الجنين :
قال تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين . ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين . " المؤمنون آية 12 – 14
وقال تعالى : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " فصلت الآية53
وقال تعالى : " والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً . وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون " النحل الآية 78
تعريف :
السلوك الإنساني : هو كل ما يصدر عن الفرد من استجابات للمنبهات التي تؤثر عليه من الداخل ( جوع مثلاً ) أو الخارج ( من البيئة الطبيعية أو الاجتماعية ) ، وهذه الاستجابات قد تكون ذات مظهر خارجي حركي ( انفعال ، حركة ) أو اجتماعي ( رفض ، قبول ، سيطرة ، خضوع ) أو ذات مظهر داخلي ( تفكير ، إبداع ، تخيل ..) .
وبفضل تنظير الجوف الأمنيوسي وتقنية الإيكو Echography وغيرها ، أمكن اكتشاف أن الجنين يتنبه ويستجيب ( حركة ، انفعال ، انزعاج ، فرح ..) حسب نوع المنبهات ، وهو بالتالي يفكر ويحلل ويدرك ويذكر ويحلم أيضاً
وأثبت ذلك تجريبياً حيث وجد أنه يتنفس ويبتلع وينكمش على نفسه عندما يبتلع مواد لا يحبها - كما أنه يقوم بابتلاع أكبر للمواد السكرية مما يشتهيه الأطفال وصغار المواليد / حاسة الذوق / .
واكتشف أيضاً أن الجنين ينكمش على نفسه معلناً انزعاجه حين تقوم أمه بالتدخين ، أو تسمع موسيقا صاخبة ، أو تغضب ، أو تخاف وتظهر على وجهه مظاهر القلق وتضطرب دقات قلبه ، كما ينتفض الجنين عند سماع بوق سيارة .
علم نفس الجنين مخبرياً :
أجريت تجارب مختلفة في مجال علم نفس الجنين أهم تلك التجارب :
1- لوحظ أن الأمهات اللواتي يتحدثن مع أجنتهن ويغنين لهم بترنيمات بسيطة – تكون استجابة الجنين جيدة ويظهر ذلك في سلوك الارتياح الذي يبدو جلياً في انتظام النوم ودقات القلب وامتصاص أكبر قدر متوفر من الغذاء ، ويتظاهر ذلك بعد الولادة ( من خلال المراقبات للمواليد ) بتطور روحي حركي جيد فيكون أكثر استعداداً للحركة والمشي والكلام .
2- ثبت أن الأجنة تسمع أصواتاً كثيرة لا يسمعها المولود – فمن المعروف أن حساسية الأذن البشرية لدى الكبار هي للأصوات ذات التواترات 32 – 18000 هرتز ، بينما الجنين حساسيته للأصوات أبر بكثير 16 – 180000 هرتز تعليل تلك الظاهرة أن الجنين ربما يسمع بواسطة أخرى قد تكون الجلد ( لأنه أول ما يتنبه من أعضاء الحس ) .
أما السمع العادي بالأذن فيتكون عند الجنين بدءاً من منتصف الحمل – وتجريبياً لوحظ أن الجنين يحتفظ بذاكرة أولية سمعية لصوت أمه ونبضات قلبها ، وأنه عندما يولد تساعده تلك الذاكرة على تمييز ومعرفة صوت أمه ونبضها ،
يستجيب الجنين منذ الشهر السادس لسماع الموسيقى ، وتكون استجابته تبعاً لتواتر وصخب الموسيقى أو هدوئها .
3- البصر : تنمو الرؤية بشكل بطيء لدى الجنين ، ويبدأ تأثره بالضوء في الشهر السادس ،وعندما يلقى شعاع وحيد مباشرة على بطن أمه فإنه يحول رأسه في أغلب الأحيان وينتفض ، ورغم أنه يبدي استجابة لأشعة الشمس لكنها لا تزعجه عموماً .
لوحظ تجريبياً عند الشخص البالغ أثناء الحلم حركات سريعة لكرتي العين ، درست تلك الحركات ، وسمي ذلك بالنوم المتناقض أو الاشتدادي أو العجائبي لأن الجسم يكون نائماً وفاقداً للفعاليات الحركية ولكن موجات النشاط الكهربائي للدماغ تكون كالتي تحدث أثناء اليقظة – وهو من العوامل الهامة لظهور الحلم ،
عند الأجنة سجلت هذه الظاهرة بوضوح ، وهذا يدل على أن الأجنة تحلم ، ولكن بماذا تحلم ؟؟؟ الله أعلم – (سؤال للمستقبل ) .
4- التدخين والحمل :
كما ذكرنا سابقاً – لوحظ تغير في مزاج وسلوك الجنين عند تدخين الأم أو تدخينها السلبي .
فمن المعروف أن لفافة التبغ الواحدة تحوي 4000 مادة سامة وتتحول اللفافة إلى أكبر مصنع للنفايات عند إحراقها ( نسبة إلى صغر حجمها ) فهي تحوي :
Co - Co2 - - بلوتينيوم - Po210 سترونيوم - Sr90 يورانيوم U238
غاز حمض السيانيد - نشادر - قطران - نيكوتين ومواد أخرى ...
أما التأثير على الجنين : الخداج – نقص وزن الولادة - انبثاق جيب المياه الباكر – تأخر التطور الروحي الحركي عند الجنين – نقص الأكسجة - اضطراب السلوك بعد الولادة .
5- الكحولية الجنينية :
يسبب الكحول العديد من الاضطرابات النفسية والجسمية و اضطراب في الإدراك والتعلم ويسبب التخلف العقلي بنسبة 0,2 % ، كما يسبب بعض التشوهات الولادية الوجهية والقلبية ونقص وزن الوليد ، واحتمال وفاة وليد الأم الكحولية هو 17% .
ويسبب لدى فئران التجربة تشوهات عصبية في قشر الدماغ و بعض النويات العصبية .
وأكد العالم على علاقة التناسب الطردي بين كمية الكحول المستهلكة من قبل الحامل في الثلث الأول للحمل وعدد وخطورة التشوهات الجنينية ، والتناسب العكسي بين وزن الجنين وكمية الكحول المستهلكة خلال فترة الحمل .
الحياة النفسية للجنين ، أصل التكوين النفسي للإنسان :
تتعاون الأم الحامل مع الجنين على تكوين غشاء نفسي وقائي يحول دون وصول التأثيرات النفسية السيئة من الأم إلى الجنين ، وذلك عندما تسوء حياة الأم الحامل وتغدو مفعمة بالقهر والعذاب والبؤس ، ومع تلك الظروف القاسية تضع مولوداً سوياً جسمياً ونفسياً عند سعادة الأم بحملها .
وبمقدار ما تكون عواطف الأم وأفكارها إيجابية وغنية ، فإن شخصية الجنين تتأثر بهذه الأفكار والعواطف ، فنلد طفلاً قوي النفس ومستعد للمشي والحركة والكلام في وقت مبكر وأكثر قدرة على تحمل التغيرات البيئية المحيطة به .
وأثبت العلم أن حياة الأم النفسية هي المنبع الأول لكل ذلك الثراء النفسي الذي سوف تحتويه نفسية المولود من مشاعر وعواطف ودوافع واتجاهات ، وثبت أن شخصية الجنين تتكون اتجاهاتها وملامحها بدءاً من الشهر السادس للحياة الرحمية .
إن المشاعر والعواطف والدوافع والوجدان الخلقي والذوق الجمالي ... تتكون بشكل استعدادات أولية سابقة في الحياة الرحمية ثم تتحول هذه الاستعدادات إلى / إدراك واضح ، وعلم ، ومعرفة في الحياة الاجتماعية / بعد زمن يتناسب طوله مع ذكاء المولود واهتماماته و المنظومة الثقافية – الحضارية للمجتمع الذي يحويه ، لأن المولود يرضع ويتمثل الغذاء والفكر والثقافة والقيم الخلقية من أسرته ومجتمعه ، أما الحدود الأولية العميقة والاستعدادات العاطفية والانفعالات و القدرة على التكيف تعود كلها للمرحلة الجنينية من حياة الإنسان .
ويمكن اعتبار الولادة هي حد فاصل بين بيئتين :
البيئة الداخلية الرحمية
البيئة الخارجية الاجتماعية
ولكل منهما وسائل خاصة في التعلم والتكيف والصحة النفسية والجسمية ،
ويقول د. توماس فيرني في كتاب الحياة الخفية للجنين : " .. عندما يولد الجنين ويأتي إلى الحياة ، لا يبدأ بالتعرف على عالم كان يجهله ، وإنما يتابع خبراته التي تكونت عنده وامتلكها وهو في بطن أمه .."
ً لا شيء من خبرات طفولتنا وما قبل ولادتنا ، بل تظل إيماءات تلك الخبرات توجه حيلتنا من الأعماق ً .