أسئلة حول العلاج النفساني
مصطفى شكيب (2007)
1 . مراحل في تطور العلاج النفسي
2. الاتجاهات النظرية في العلاج النفساني
3. محددات في اختيار المعالج النفساني
4. آليات الدفاع
5. ما هي حاجاتنا الإنسانية؟
6. التنمية الذاتية: مثال إجراء علاجي
1 . مراحل في تطور العلاج النفسي
يعني العلاج النفسي تلك الطريقة السيكولوجية الهادفة إلى اجتثاث الأعراض المرضية، وقد ابتدأ مع التنويم المغناطيسي الذي كان سائدا كثيرا في نهاية القرن الثامن عشر في أوروبا، ليتم استخدامه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر من طرف الأطباء آنذاك، لتخفيف ما كان يسمى آنذاك "الهستيريا".
وفي القرن العشرين حدث تطور العلاج النفساني وفق ثلاث مراحل:
قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، ومرحلة ثالثة عرفت أوجها منذ بداية الستينيات- مرحلة الثورات الثقافية-، إذ عرفت هذه المرحلة استخدام الطرق الاختيارية التي تستخدم هذه الطريقة أو تلك وإحداث نماذج جديدة خاصة بمنظريها.
ويمكننا أن نتحدث عن مرحلة رابعة في طور الهيكلة تبعا لهذه الظواهر الاجتماعية ذات الوقع العالمي؛ البحث عن الطمأنينة، التغلب على ضغوط الحياة في العمل، الاعتداءات بمختلف أشكالها، الحروب والكوارث الطبيعية التي تستدعي إعادة تكيف التقنيات العلاجية المستعملة.
كما أن التقدم الهائل في علم الأعصاب الإحيائي النفسي يدعو دون شك إلى ابتكار طرق علاجية جديدة.
المرحلة الأولى:إلى حدود الحرب العالمية الثانية لم يكن وجود إلا لنظريتين سيكولوجيتين كبيرتين في مواجهة ثنائية:
الأولى محدثة انطلاقا من الملاحظات الإكلينيكية من طرف الطبيب "سيجموند فرويد"، وتدعى كذلك علم النفس التحليلي أو علم نفس الأعماق.
والأخرى مؤسسة على التجريب الحيواني والبشري، السلوكية، مبتكرة من طرف العالم النفسي "واطسون" الذي يرجع له الفضل في بروز العلاج السلوكي.
وكانت هناك مواجهة شديدة بين مؤيدي التيارين تمثلت في تجريح أحدهما للآخر باستمرار.
المرحلة الثانية:بعدع الحرب العالمية الثانية والمصائب التي خلفت –مادية ونفسية- في كل النفوس، شهد مجال علم النفس ولادة تنوع من النظريات الجديدة مفسرة ماهية الكائن البشري ليس فقط انطلاقا من حالاته الداخلية، من الماضي الذي يؤثر على حاضره أو تبعا لسلوكياته المتكيفة أو غير المتكيفة –على شكل استجابات- لمنبهات خارجية أو داخلية، ولكن مفسرة الكائن البشري آخذة بعين الاعتبار عددا من العوامل لم تتم دراستها بالقدر الكافي أو بالمرة، منها:
_ علاقات الشخص مع محيط حياته، حيث تدخل أنظمة تفاعلية في تفاعل بين الشخص وبيئته، مؤثرة على طريقة عيشه، تفكيره، تعامله، التعبير عن آلامه وشقاءه وذلك وفقا لمبدأ المفعول الرجعي. بينما تم الفحص الدقيق لتواصل الفرد-الشفهي وغير الشفهي- مع هذه الأنظمة من طرف نماذج نظرية تطبيقية علاجية.
- الدور المصيري لأنظمة المكافآت والعقوبات حسب الاستحقاق في تحديد السلوكيات وتشكلها، وهذا المفهوم مقتبس من السلوكية.
- تم تحديد ودراسة التصورات والاستدلالات الخادعة إضافة إلى عدد من المحددات المؤثرة والمكيفة لطرق تفاعل الفرد تجاه العالم المحيط به.
وهكذا توسع مجال اهتمام الأخصائيين النفسانيين بالكائن البشري ليتعدى علم النفس المرضي إلى الاهتمام بالأشخاص الأسوياء في تفاعلهم مع بيئاتهم.
المرحلة الثالثة: كنتيجة لاستكشاف مجالات جديدة لاهتمام المختصين النفسانيين لتفسير نشاط الكائن البشري، لفهمه في حالته السوية وحالته غير السوية، ليس فقط في انعزاله ولكن في تفاعله مع العالم الخارجي، ظهرت تقنيات عديدة تهدف إلى التخفيف من آلام الناس أو تحسين حالاتهم النفسية وهي لم تتوقف عن الازدياد سنة بعد أخرى.
وفي الوقت الحاضر لم يعد اهتمام مختلف طرق العلاج النفساني مقتصرا على التدخل في النفس في حالة عدم توازنها، ولكن يشمل تقنيات تعتمد بصفة متزامنة على:
- إضافة إلى تأثير النفسية على الجسد في حالة ألم أوفي حالته الطبيعية على اعتبار أن الاثنين- نفس وبدن-في تفاعل دائم؛ والقلب أو الدماغ ليست منفصلة عن الجسم، بل هي جزء منه.
_ الأخذ بعين الاعتبار العلاقات بين الشخص ووسائط حياته حسب مبدأ المفعول الرجعي.
_ ومع تطور العقليات في العالم الغربي، لم يعد الاهتمام مقتصرا على علاج الأعراض ولكن الوصول كذلك إلى حالة كاملة من الصفاء والسكينة.
مرحلة حالية: بعد تلك الظاهرة المجتمعية المتمثلة في الاهتمام الأقصى بالذات وتجاوز آلامها للوصول إلى قوانين الانتشاء، حصل تطور علمي سيؤدي لا محالة إلى تقدم كبير في علم النفس و العلاج النفساني: إنه التقدم الهائل في تقنيات التصوير الوظيفي. فهذه التقنيات الحديثة تطبق في استكشاف الدماغ للوصول إلى معرفة مدهشة لآليات التفكير الإنساني وتكوين، قوانينن وقواعد الكيمياء الحيوية التي تعطينا فكرة عن أفكارنا المثيرة كفكرة الاعتقاد والرغبة. . الخ. وبالفعل تم تحديد ماهية النظام الحسي الحركي، الانفعالات، (فرح، غضب، حزن)، الحاجيات، سلوكيات التعلم إضافة إلى الوظائف الإدراكية كالذاكرة، الانتباه، الحافزية. .
وقد تعمل المقاربة النفسية الإدراكية البيولوجية –عبر فحص ما يجري في دماغنا- على إنهاء أحجية تكوين التفكير والهذيان في شأنها. ما زال الإنسان يتعلم حول نفسه دون أن نغفل التقدم الحاصل في علم الوراثة.
تطور المعارف في علم النفس العصبي الفيزيولوجي أصبح من مصادر التفسير العلمي لأفكارنا ومواقفنا بآليات فيزيولوجية ذات أصل كيمياء إحيائي، فهم جديد للكائن البشري وإذن مقاربات علاجية جديدة.
خلاصة:
في الخلاصة، إضافة إلى النماذج النظرية التطبيقية، التقنيات الإضافية المستخدمة في العلاجات النفسية وهذا النموذج النفسي-الإحيائي-الإدراكي في طور الهيكلة، يرى الأخصائيون أن هذه النماذج كلها بما تقدم في مجال معرفة الإنسان سواء في حالته الصحية أو المرضية، عليها أن تتكاثف فيما بينها ولا أن تتجاهل بعضها البعض لأن في النهاية الهدف واحد:التوصل إلى الشفاء، إلى عيش جيد أو أفضل.
النموذج الإكلينيكي النفسي، القديم منذ أكثر من قرن من الزمان، الذي يعتمد على ملاحظة الشخص في حالته المرضية ثم في كلا الحالتين، على التأمل وعلى التجريب، يبقى نموذجا أكثر حيوية رغم الاعتراف بالعلاجات السلوكية الإدراكية والتقدم الحاصل في استكشافات الدماغ في حالته الفيزيولوجية أو المنطفئة، إضافة إلى التحليل النفسي في العمق.
ولقد خطى العلاج النفسي خطوات إلى الأمام بعدما عمل على توسيع دراسة حالة الإنسان النفسية من غير السوية إلى السوية.
وللتذكير بموازاة مع هذا النموذج الإكلينيكي النفسي وما تفرع عنه من تقنيات، تطور منذ خمسين سنة نموذج فلسفي نفسي ذا جذور إنسانية وجودية مؤسس أيضا على التأمل وملاحظة الشخص في تفاعلاته مع العالم الخارجي ونظمه مولدا تقنيات علاجية جديدة.
تتمة الموضوع على الرابط التالي:
http://www.psy-cognitive.net/vb/t1688.html#post3615