أسئلة حول العلاج النفساني (تابع)
بداية الموضوع في الرابط التالي: http://www.psy-cognitive.net/vb/t1689.html
5. ما هي حاجاتنا الإنسانية
قد يبدو السؤال زائدا. لأننا نقول أننا لنا كلنا حاجياتنا ونعرف ما هي. والجواب ليس بهذه السهولة التي تظن. لنحاول البحث عن أجوبة مناسبة.
جهل وسوء فهم
عبر البحث عن كيف اعتبار الناس حاجياتهم، يلاحظ المعالجون النفسانيون الخلط الذي سيود في هذا الموضوع. كما يسيئون فهم ماهية الحاجيات وكيفية تلبياتها.
ربما يحتاج الأمر إلى تربية بهذا الخصوص. لا أحد يرشد في هذا. قد يتحدثون عن الواجبات، الحقوق، كيفية التعامل مع الآخرين، لكن لا يرى داعيا للتحدث عن الحاجيات التي يجب إشباعها للحفاظ على صحة نفسية جيدة. وإذا ما تم تناول الحاجيات الأساسية، فغالبا ما يتعلق الأمر بالحاجيات الفسيولوجية كالجوع والعطش أو إتباع قواعد صحية سليمة.
قد يطلب منك الشرب أو الأكل في أوقات معينة، لكن عندما يتعلق الأمر بالحاجات النفسية وبالعواطف فغالبا ما يتم تجاهل الأمر. يرجع ذلك ربما إلى السياق العالمي الحالي الذي تطغى فيه المادية أكثر على الجوانب المعنوية للإنسان.
التربية ضرورية
لو لم يتم تعلم القراءة، الكتابة، الحساب، قيادة السيارة أو الطائرة، كيف كان سيكون الحال لإنسان منعزل عن العالم لم يختلط به أبدا. كان الأمر سيكون عليه صعبا جدا طبعا. لولا الآباء والمجتمع لما استمررنا في تلقي المعلومات واكتساب الخبرات وتعلم المهارات. نفس الأمر ينطبق على الحاجيات وضرورة تعلمها منهجيا وليس بطريقة عصامية صرفة.
قد لا نتلقى هذا التعليم بصفة منهجية، لكن هناك تأثيرات غير سوية لاعتبار هذه الحاجيات.
فآباؤنا يحاولون إدخال بعض القيم لنا التي ليست فقط متناقضة مع حاجياتنا بل مع تجاربنا المباشرة.
يطلب من الأبناء التفوق في الدراسة بأي ثمن، أحيانا من أجل التفاخر بالأبناء ضدا على رغبات الأطفال الحقيقية.
قد يذمون التلفظ بالألفاظ النابية وهم يقومون بذلك. الأزواج والأبناء يؤثرون على حاجياتنا كذلك ولكن بدافعهم الخاص دون التصريح بذلك.
أية ممانعة من طرف الأب أو الزوج ستكون لها عواقب غير محمودة للشخص؛ أن ترفض شراء الجديد للابن أو الزوجة سيواجه بسلبية وعقاب.
وكذلك يفعل رؤساؤنا في العمل، مرؤوسنا وجيراننا. يعملون على الابتزاز العاطفي لنا لإرضائهم رغما عن حاجياتنا.
مع الجيران أو مع الزملاء في العمل، قد نتنازل عن حاجاتنا من أجل أن لا نغضبهم؛ أن ندع ابن الجيران يصدع رأسنا بقذفه للكرة على حائط المنزل، أو أن لا ننافس زميلنا في العمل في ترقية أو مكافأة، أن نزيد من عدد الساعات الإضافية دون مقابل لإرضاء المدير بل وحتى القيام بواجبات غير إدارية لصالحه ... الخ. هذا الخوف من ردات فعل الآخرين ينسينا حاجاتنا.
و لا تناقض مع تعاليم الدين في هذه المسائل، بإمكاننا إرضاء حاجياتنا، تحقيق رغباتنا وانجاز مصالحنا في توافق مع الدين ومبادئه.
ما يحدث أننا نتصرف وفقا لقواعد وحاجيات الآخرين. بعبارة أخرى هناك تصارع وتنازع في المصالح بين الناس. كل واحد يريد أن يفرض حاجاته ورغباته. ليست التربية وحدها هي المسئولة عن هذا التنازع، هناك رهانات واستراتيجيات ما بين شخصية مسببة لذلك كذلك.
التمييز والتفريق
بين الرغبات، النزوات، الاندفاعات، الأشياء المفضلة، المتمنيات، الأذواق، النقص، الضروريات، الحقوق، الأحلام، التطلعات وكذلك الأهداف، الطلبات والمطالب.
يبدو أن الأمر يحتاج إلى تنظيم نظري أو تصميم لهذه الحاجيات.
ولا بأس أن نبدأ بالتصاميم المعروفة.
فقد أحدث الأخصائيون النفسانيون نظريات لتنظيم هذا البعد في تجاربنا. من أشهرها ثلاثة ذات اتجاه إنساني.
تسلسل الحاجيات حسب ما سلاو
تكمن أهمية هذه النظرية في مساعدتنا لفهم الميل الإنساني لتحقيق الذات.
وترتكز على مبدأ أساسي بسيط:
الحاجيات الأساسية مرتبطة بالبقاء( حافز النقصان).
والحاجيات الأكثر تقدما تهم الارتياح والتفتح الشخصي(حافز النمو).
وللحاجيات الأساسية الأسبقية دائما على الحاجيات المتقدمة(واضح أنه علينا البقاء أولا قبل الاهتمام بالتفتح الشخصي).
ولقد اشتهر هذا المفهوم كثيرا ووجد تطبيقاته في التربية، التسويق، التدبير الإداري، التمريض ... الخ إضافة إلى علم النفس.
الحاجيات الفسيولوجية(أكل، شرب، تنفس، الخ)مرتبطة مباشرة بالبقاء. يجب الحصول على قدر أدنى من الإشباع للبقاء على قدر الحياة. أي نقص في هذا الصدد يصبح أولوية.
والحاجيات المرتبطة بالأمن(الاستقرار، النظام، الحدود، الحماية، الخ) هي أيضا مرتبطة بالبقاء وإن لم تكن ذات مستوى فيزيائي.
الحاجتان التاليتان هما من صميم الحياة الاجتماعية وتتعلق بالبحث عن الارتياح.
حاجة الانتماء(حب صداقة، علاقات مودة والانضمام إلى مجموعة) تسبق الحاجيات المرتبطة بالتقدير(الاحترام، الاهتمام، استحسان الآخرين، التقدير الذاتي، الكفاءة، الحرية، الخ).
في كلا هذين الحالتين، الرهان ليس البقاء الفيزيائي، ولكن الارتياح، الصحة والحيوية النفسية.
وبعكس الأصناف الأخرى، حاجة التحقيق الذاتي لا يتم تحسسها عن طريق نقص ولكنها حاجة تستمر في الكبر كلما عملنا على إشباعها. إنها الرغبة في استثمار أقصى للإمكانيات، البحث عن التناسق، الحق، العدل، المعنى، الوحدانية، الإبداع، الخ. بحيث عندما ننعشه لا ينتهي أبدا.
التصنيف ما بين الشخصي حسب شولتز
تبحث نظرية "وليم شولتز"- اتجاه العلاقات ما بين الشخصية الأساسية- تحديد الحاجيات التي تدفع البشر للدخول في علاقة مع الآخرين. وهو يميز ثلاثة أصناف:حاجات الانتماء، المراقبة والمحبة.
صحيح أن كل صنف يوجد لدى كل شخص، لكن الأهمية النسبية لكل واحد تختلف من شخص لآخر. وهذا ما يمكن من التعرف على مجموعة الأشخاص على حسب نوعية الحاجات التي يحاولوا أساسا إشباعها في علاقاتهم.
فحاجة الانتماء هي التي تدفعنا للارتباط بمجموعة للسعي للدخول ضمن مجموعة من الأشخاص، أن تكون عنصرا معترفا به من الجماعة.
وحاجة المراقبة تدعونا لمحاولة التأثير على الآخرين التي نحتك بها، للرغبة في عمل فرق في محيطنا، للرغبة في أن تكون لنا الكلمة في ما يجري.
أما حاجة المحبة فتعني تأسيس علاقات ذات أفضلية، متميزة بالخصوصية والحرارة. إنها الحاجة في أن نحب وأن نُحَب كما هو الحال مع أزواجنا، أطفالنا وأصدقائنا الحميمين.
ويظهر كذلك أن هناك تسلسلا يربط بين هذه المجموعات الثلاث من الحاجات. ستكون حاجة الانتماء هي الحاجة الأولى التي تبرز وهي الأكثر أساسية لحياة سليمة. ستأتي بعد ذلك حاجة المراقبة بعد أن تم إشباع الحاجة الأولى، وتأتي أخيرا حاجة المودة التي تفترض نضجا كبيرا للشخص أو العلاقة.
أنواع التحويل حسب"لاريفي"
حسب العالمة النفسية الكندية"ميشيل لاريفي"، نميز بين ثلاث أصناف من العلاقات التحويلية. كل صنف يحدد باكتساب قدرة معينة، أن تعيش بعد حياة نفسية لإشباع الحاجة الأساسية التي تمتلكها.
حق الوجود مرتبط بالحاجة لأن تكون محبوبا دون استحقاق بفضل أداء معين. أن تكون محتضنا من طرف آباء مهتمين يمثل نموذجا لهذا الإشباع. تجربة من هذا النوع تسمح للشخص بالدخول إلى العالم مقتنعا أنه محبوب وأنه يستحق أن تتم معالجته بحب.
الحق في هوية مختلفة مرتبط بالحاجة للتأكيدية والاستقلالية. تتعلق بالقدرة على تأكيد ككائن مستقل دون فقدان حب الأشخاص المرتبط بهم. يتمثل نموذج هذا الإشباع في استحسان الآباء لمبادرتنا وإنجازاتنا رغم كوننا مختلفين في الاختيارات. الرهان الأساسي لهذا المكتسب هو الحق أن تكون كما أنت وأن يتم تقديرك.
الحق في هوية جنسية مرتبط بالحاجة لأن تحب ولأن تُحَبَّ ككائن جنسي راشد. المبتغى هو التقدير الذاتي كشريك جنسي محبوب. أن يتم استحسان الشخص والرغبة فيه باحترام كجنس مختلف. . النتيجة دائما أن تحظى بحياة جنسية وودية مشبعة.
كما في المفهومين السابقين، مستويات التحويل هذه تحتوي أيضا تسلسلا خاصا:حل المستوى التالي يعتمد على إنهاء أمر المستوى الأول. فالهوية المتميزة تقتضي المخاطرة بفقدان علاقة الاحتضان التي تمنح الحق في الوجود. وكذلك الهوية الجنسية تعتمد على الحق في كون الشخص فردا مميزا، لكنها قد تعقد المسألة بجلب شريكين جديدين إضافة إلى الآباء المجودين.
استنتاجات
تدخل هذه المفاهيم الثلاث في إطار التيار الإنساني لعلم النفس. وفي هذا يمكن تأكيد مصداقيتها على ضوء التجربة الشخصية لكل أحد.
كما تقدم هذه المفاهيم تسلسلا في الحاجيات. يجب إشباع حاجات قبل أن تتقدم أخرى لتحتل مركز الاهتمام للشخص. وهذا التسلسل جد هام إلى حد تحديد مستوى تنمية الفرد من وجهة نظر الحاجات الأساسية. الحوافز الأساسية لشخص ما تسمح بتحديد مساره فيما يخص نموه. مثلا حوافزه للدخول في علاقات مع الآخرين تسمح بكشف نوعية تطوره الشخصي المتبادل. كما أن التحويلات التي تظهر في علاقاته الهامة في مرحلة معينة من حياته محددة جدا للمساهمة في تشخيصه ولإعطاء نظرة سليمة لتطور استقلاليته الشخصية.
لكن تبقى أسئلة كثيرة معلقة لتمييز وتقييم الحاجات الخاصة. كيف التمييز بين الحاجات الحقيقية والتي ليست حاجات وكيفية تحديدها؟
لذلك ينبغي الإجابة على مجموعة من الأسئلة الأساسية حول ماهية الحاجات:
- ما هي أهم المحددات التي تسمح بتحديد حاجة؟
- هل يجب إشباع جميع الحاجات؟
- هل الحاجات فطرية أو مكتسبة(متعلمة)؟
- كيف نحدد حاجة نفسية؟
- كيف نميز بين حاجة، طلب وضغط؟
- ما الذي يميز بين الحاجة ووسيلة إشباعها؟
تتمة الموضوع على الرابط التالي:
http://www.psy-cognitive.net/vb/t1684.html#post3611