لقد سمعنا بإلحاح الصيغة التالية: يجب أن يبنى العلم على مفاهيم أساسية وجلية ومحددة بوضوح. في الواقع، لا يبدأ أي علم، حتى العلوم الدقيقة منها، بهذا التعريف. تكمن بالأحرى البداية الفعلية لكل نشاط علمي في وصف الظواهر، ثم تجمع بعد ذلك وتنظم وتدمج في علاقات. وقبل ذلك، لا يمكن أثناء الوصف أن نتفادى تطبيق بعض الأفكار المجردة على الأدوات، نستقي هذه الأفكار من هنا أو من هناك ولكن تأكيدا ليس من التجربة الحالية وحدها. مثل هذه الأفكار –التي ستصبح المفاهيم الأساسية للعلم- توجد في بلورة الأدوات اللاحقة والأكثر ضرورية. إنها أولا [أي الأفكار] تستوجب بالضرورة درجة معينة من عدم التحديد؛ ذلك أن الأمر لا يتعلق بالإحاطة بمحتواها الواضح. ومادامت على هذه الحال، فإنه يتم الاتفاق على دلالتها من خلال تكرار إحالتها على أدوات التجربة، والتي يبدو أنها مستعارة منها، ولكنها في الواقع خاضعة لها. إن لتلك الأفكار خاصية توافقية بشكل صارم والأكثر من ذلك أن كل شيء يتعلق بواقعة ينبغي ألا يكون اختيارها قد تم بشكل اعتباطي ولكن من خلال تحديدها في علاقاتها الهامة مع الأدوات الإمبريقية؛ ويجري الاعتقاد بأن هذه العلاقات قد تم التنبؤ بها حتى قبل القدرة على التعرف عليها وتقديم الأدلة عليها. إنه فقط بعد اختبار معمق أكثر لميدان الظاهرة المأخوذة بعين الاعتبار يمكن أن نمسك بالمفاهيم العلمية الأساسية التي تقتضيها بالضبط، وتغييرها تدريجيا لكي تصبح قابلة للاستعمال بشكل واسع وتحريرها بذلك من كل تناقض. حينذاك إذن يمكن أن يكون الوقت قد حان لحصرها في تعاريف. إلا أن تقدم المعرفة لا يحتمل أيضا جمود التعاريف. فإنها وكما يوضح ذلك مثال الفيزياء بشكل جلي، فحتى تلك "المفاهيم الأساسية" التي تم تثبيتها في تعاريف فإنها تجد محتواها يتغير باستمرار.
S. Freud, Métapsychologie (a), Paris, Gallimard, 1968, trad. Laplanche et Pontalis, pp.11-12).