سيكولوجيا السيرورات المعرفية: مقاربة منهجية لدراسة الذاكرة والتعلم

[بنعيسى زغبوش]

سيكولوجيا السيرورات المعرفية:
مقاربة منهجية لدراسة الذاكرة والتعلم

بنعيسى زغبوش

صدر هذا المقال ضمن:
زغبوش، بنعيسى (2007). سيكولوجيا السيرورات المعرفية: مقاربة منهجية لدراسة الذاكرة والتعلم. دفاتر مركز الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية، 5. كلية الآداب والعلوم الإنسانية - ظهر المعهراز - فاس (48-90)

ملخص

يتطرق هذا المقال إلى التحولات التي تعرفها السيكولوجيا الحديثة، سواء على مستوى المواضيع المدروسة (السيرورات الذهنية) أو على مستوى المناهج المستعملة (التقنيات الحديثة). وإن تركيزنا على هذا المستوى الأخير لا يعني إغفال الأطر النظرية المرجعية التي تتأسس عليها أو تدور في فلكها. وفي هذا الباب، أشرنا إلى الالتباسات التي تشوب تحديدات مفهومي التعلم والذاكرة، وما هي أوجه التمييز بينهما، خصوصا أثناء محاولة دراستهما والتجريب عليهما كسيرورتين معرفيتين مرتبطتين بالإطار النظري العام للسيكولوجيا المعرفية. كما أكدنا على أوجه تطور هذه التعاريف بناء على تطور التقنيات المستعملة. ومن أجل ذلك، انطلقنا من تقديم عام حول طبيعة البحث التجريبي في بعده السيكولوجي وخصوصياته أثناء دراسة السيرورات المعرفية، ثم حددنا الخطوات المنهجية العامة التي تسم هذه الأبحاث من خلال تقنيات الملاحظة والوصف والاختبار الإكلينيكي، وانتقلنا إلى التعريف بالتقنيات المنهجية الدقيقة المتمثلة في الميقتة الذهنية ومعالجة الملفوظ في الزمن الفعلي وزمن الاستجابة. وأنهينا هذا المقال بخلاصات تركيبية ناقشنا فيها أهمية هذه الإجراءات الحديثة على المستوى التعليمي والتربوي، مستحضرين إمكانات تطبيقها في العالم العربي.

The cognitive processes:

A methological approach to the study of memory and learning

Abstract

This article deals with the changes and developments which affect modern psychology, both in terms of topics studied (mental processes) and of the methodologies adopted (modern technics). Although the focus is on the methods used for studying psychological phenomena, resort is also made to theoretical frameworks that have entailed and used those methods. Of special mention is the confusion that may affect the way the notions of learning and memory are defined, and how these can be distinguished, particularly when trying to analyze them as cognitive processes related to general cognitive psychology framework. We also stress the evolution of the notions of memory and learning in relation with the evolution of the technics applied. We approach the issue by first giving a general introduction of the nature and specificities of experimental psychological research on cognitive processes, and determining general methodological procedure characterizing these kinds of research (observation, de******ion and clinical examination), then defining subtle methodological technics (mental chronometry, utterance processing in on-line and response time). We finally conclude the analysis and discussion focusing on the importance of such modern procedures at the education and teaching levels, putting forward the possibility of their implementation in the Arab word.

1. تقديم

إذا كان هدف أي نشاط علمي هو فهم الطبيعة وتمثيلها (بادلي Baddeley، 1993: 19)، وإذا كان العلم يحاول إخضاع تصوراته أو نماذجه للاختبارات التجريبية، والتأكد من صلاحيتها في أوضاع جديدة، فإن المنهج التجريبي يعتبر أهم وسيلة لاختبار النظريات العلمية، في شروط تنعدم فيها ما أمكن عناصرالتشويش واللانظام. إلا أن كل علم تجريبي -وأثناء تحققه في الواقع- يصطدم بمشاكل تقنية؛ بحيث لا يتطور إلا إذا توفر على أدوات ملائمة للملاحظة والتجريب. وفي هذا الباب يقول بارو Parot وريشل Richelle (1992: 208) "إن الافتراضات والنظريات تبقى معلقة، وتبقى النماذج الصورية جوفاء إذا لم تتوفر الإجراءات الملموسة لاختبار الأولى وتطبيق الثانية. يتعلق تطوير هذه الإجراءات في نفس الآن بعبقرية المختبِرين وبالتطور الحاصل على المستوى التكنولوجي. فالتقنية هي أداة ملموسة لمراقبة الموضوع المدروس وإحدى شروط الاكتشاف. (...) إن فقر تقنيات الاختبار، بدون شك، هو الذي حال دون دراسة السيكولوجيا التجريبية لبعض الإشكالات من مثل التعلم والذاكرة...". وقد أشار برونر Bruner (1990) في تحليله لتطور نظريات التعلم إلى أن "البحث حول أي شيء سيسفر عن نتائج تعكس الإجراءات المتبعة في تأكيد الملاحظة والقياس، وبهذا المعنى فإن العلم يبتكر طرق التحقق من الواقع" (ص، 104).
لكن التجريب ليس هو السبيل الوحيد لاختبار النظريات بسبب وجود صعوبات جمة في مناولةالمتغيرات المدروسة أو مراقبتها، كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال دراسة السيرورات المعرفية بالشكل الذي تتحقق به في الذهن. إن تطوير الإجراءات التجريبية يبقى السبيل الأنجع لمقاربة السيرورات المعرفية، بالرغم من الصعوبات التي تعترض هذا الحقل المعرفي. يجب أن يكون هذا الاعتبار حاضرا في الذهن مثلا أثناء دراسة سيرورات اشتغال الذاكرة في الشروط الخاصة للحياة اليومية (جرايدر Grider وغوتالس Goethals وكافانوغ Kavanaugh وسولومون Solomon، 1993: 28)، أو في الشروط الإيكولوجية باصطلاح نيسر Neisser (1982) الذي كان يهدف إلى تجاوز صرامة المراقبة في المختبر. وفي هذه الحالة، فإن التقيد الصارم بالتقليد الذي أرسته الدراسات المخبرية، المنحدرة من أعمال ابنغهاوس Ebbinghaus([i])، قد يوحي بلاعلمية الأبحاث التي تنعدم فيها صرامة المراقبة التجريبية، بالرغم من أن الطبيعة العلمية لهذه الأبحاث تكمن في الكيفية التي تمت بها الملاحظات والنتائج المستخلصة منها (Baddeley، 1993: 17) ولا تكمن فقط في طابعها المخبري الصرف.
تتجلى هذه المسألة بالخصوص في السلوكات اللغوية، فإذا كانت هذه الأخيرة تشير في بعض التجارب إلى إنتاج مقاطع لفظية خالية من أية دلالة كإرسال أصوات متنوعة من حيث الطول والإيقاع، فإنها في تجارب أخرى، تدل على مجموعة من العلامات اللفظية التي يتم تحديدها بالرجوع إلى وحدات معجمية محددة بدقة. أما في حالة الجمل، فإن تأثير هذه الوحدات على السلوكات غير اللغوية، غالبا ما يتم بفعل دمج المثيرات في الحقول الدلالية الفردية أو الاجتماعية أو فيهما معا، بحيث يستحيل تصور حدوث هذا التأثير بفعل تدخل ملفوظ لغوي معين.
ولأن الباحث السيكولوجي غالبا ما يلاحظ السلوكات اللغوية كسيل مستمر، فإن استحضارنا للملاحظات السالفة يدفعنا إلى التساؤل عن ماهية "الوحدة الملائمة" بالنسبة للباحث السيكولوجي الذي يدرس سيرورات المعالجة المعرفية للغة؟ وعن كيفيةتجزيء السلوكاتاللغوية بهدفإخضاعها للملاحظة بشكل واضح؟ ثم هل من الضروري تجزيئها أصلا؟ وكيف نميز بين الوحدات البنيوية والوحدات الوظيفية: أي بين ما هو قابل للملاحظةوما هو قابل للاستنتاج؟ وإجمالا كيف نحدد الوحدة الملائمة في دراسة سيرورات معالجة الذهن للغة؟وهنا يطرح إشكال تحديد ماهية "الوحدة الدالة" التي يجب الكشف عنها في أي بحث من الأبحاث، والتي غالبا ما لا تحضر بسهولة، وتحتاج إلى العديد من المحاولات لاستخلاصها. وتتجلى هذه القضية بوضوح في مثال الذرة كوحدة دالة في البحوث الفيزيائية، وفي مثال الخلية كوحدة دالة بالنسبة لعلوم الأحياء، وكذلك كان الشأن بالنسبة لتاريخ اللسانيات مع مثال الوحدة الفونولوجية([ii]) (بارو وريشل Parot وRichelle، 1992: 215). وفي هذا الإطار يتساءل شولتز Schoultz وآخرون (2001: ص 105) كيف يمكن الوصول إلى معلومات حول المعرفية والتعلم إذا لم نعاضد البناءات النظرية بالملاحظة التجريبية؟ وهو سؤال يستوجب التأكيد على مسألة هامة مفادها أنه علينا أن نعي بأننا نحاول تنظيم المعطيات المجمعة بكيفية تمكننا من إيجاد الكيانات التي نحن بصدد البحث عنها.
يمكن الإجابة عن الأسئلة السالفة باستحضار مسار تطور السيكولوجيا المعرفية وكيفية نسجها لعلاقات متشابكة مع علوم أخرى ومع التقنيات الحديثة، والذي أدى إلى تطوير إجراءات تجريبية جديدة لدراسة النشاط المعرفي اللغوي عموما، ودراسة علاقة الذاكرة بالتعلم خصوصا من خلال التساؤل عن العلاقة بين استقبال الملفوظات ومعالجتها وتخزينها واستحضارها في الوقت الملائم. ويمكن إجمال هذه المناهج في شكلين اثنين: إجراءات منهجية عامة، وتقنيات منهجية دقيقة:

------------------------------
يمكن تحميل ملف المقال كاملا انطلاقا من الملفين المرفقين أو من الرابطين أسفله:
psy processus cognitifs1.pdf (الجزء الأول من المقال)
psy processus cognitifs2.pdf (الجزء الثاني من المقال)

ويمكن تحميله أيضا من الأيقونة الموالية



بعد إدخال اسم العضو وكلمة السر بالنسبة للأعضاء المسجلين سابقا، أو التسجيل بالموقع بالنسبة للأعضاء الجدد. وشكرا على زيارتكم للموقع