عـلــم النفـــس المعــــرفـــــي

عـلــم النفـــس المعــــرفـــــي (http://www.psy-cognitive.net/vb//index.php)
-   حوارات حول واقع السيكولوجيا (http://www.psy-cognitive.net/vb//forumdisplay.php?f=73)
-   -   حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش (http://www.psy-cognitive.net/vb//showthread.php?t=1130)

hamza_fes 10-05-2009 11:33 AM

حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
[align=center]أجرى الحوار : * حمزة شينبو
*عبد الاله المنياري[/align]
[align=center]مراسلا جريدة صدى فاس[/align]
[align=center]http://www.psy-cognitive.net/vb/pict...3&pictureid=62[/align]
[align=center][a7la1=3333FF][glint]مع الدكتور بنعيسى زغبوش رئيس شعبة علم النفس ومنسق الاجازة الاساسية[/glint][/a7la1] [/align]
ملاحظة : سينشر هذا الحوار في جريدة صدى فاس في عدد شهر ماي
1. بصفتكم رئيسا لمسلك علم النفس، هل يمكنكم أن تطلعوا القارئ على الهيكلة البيداغوجية للمسلك من حيث الوحدات والأطر التربوية وعدد الطلبة... الخ؟
يتكون مسار التكوين في علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – ظهر المهراز بفاس، من ثلاث سنوات، السنة الأولى والسنة لثانية تؤهل الطالب للحصول على دبلوم الدراسات الجامعية العامة DEUG، والسنة الثالثة تؤهله للحصول على شهادة الإجازة في علم النفس. تتكون كل سنة جامعية، وفقا لنظام التكوين الجامعي الحالي، من فصلين، وكل فصل يتكون من أربع وحدات، وكل وحدة تتكون من مجزوءتين أو ثلاث، بمعنى أن الطالب ملزم بأن يستوفي 24 وحدة للحصول على الإجازة.
وتجدر الإشارة إلى أن التكوين يعتمد الانتقال بالطالب مما هو عام في علم النفس إلى ما هو خاص، إلى ما هو متخصص فيه. أما توزيع الوحدات وفق محتواها المعرفي، فهي كالتالي:
7 مجزوءات مخصصة للمنهج
3 مجزوءات في التواصل
7 مجزوءات تقدم تكوينا في السيكولوجيا عامة
9 مجزوءات تقدم تكوينا متخصصا في السيكولوجيا
6 مجزوءات للتداريب والبحوث
إضافة إلى وحدات اللغات والسوسيولوجيا والفلسفة والإعلاميات
إذن كل مقومات التكوين الجيد والحديث متوفرة: نظريا ومنهجيا وتطبيقيا في هذا المقرر الجامعي، ونعمل للبلوغ به إلى ما هو أمثل. لكن هناك مجموعة من العواتق التي تحول دون الوصول إلى النتائج المرجوة، منها العدد القليل للأساتذة بشعبة علم النفس الذي لا يتجاوز 8 أساتذة، وإذا أضفنا إلى ذلك الإقبال الكبير للطلبة على هذه الشعبة، والذي بلغ حوالي 1300 طالب هذه السنة، سنلاحظ أن كل أستاذ ملزم بتاطير حوالي 163 طالبا، وهي نسبة بعيدة كل البعد عما هو معمول به في بعض الدول العربية المجاورة لنا، ناهيك عما هو معمول بع في المؤسسات الجامعية الغربية.

2. عرف مسلك علم النفس هيكلة جديدة ، ما هي الأهداف المتوخاة من هذا التجديد؟
يمكن القول إن مسلك علم النفس سيعرف هيكلة جديدة في السنة الجامعية المقبلة، على غرار كل المسالك بالجامعات المغربية. الجديد في هذه الهيكلة الجديدة هو اعتماد الجذع المشترك الجامعي الوطني، بمعنى أن السنتين الأولى والثانية من الدراسات الجامعية ستكون موحدة على صعيد المغرب، وهو ما يتيح للطالب الحصول على دبلوم الدراسات الجامعية العامة في جامعة معينة والانتقال إلى التخصص في ميدان معين في جامعة أخرى، بمعنى أن حرية انتقال الطلبة بين جامعات المغرب ستكون مضمونة لهم. أما السنة الثالثة فهي التي ستشكل محور تميز كل جامعة عن أخرى، أي أنها سنة التخصص بالنسبة للطلبة في مجال سيكولوجي معين. مثال على ذلك من علم النفس: يمكن للطالب أن يدرس السنة الأولى والسنة الثانية بفاس مثلا، ثم إن أراد إتمام دراسته في مجال علم النفس الإكلينيكي، يمكنه الانتقال إلى الرباط لهذا الغرض، أو أن طالبا درس السنتين الأوليتين بالرباط، وأراد التخصص في علم النفس المعرفي، يمكنه أن يسجل نفسه بالسنة الثالثة بفاس. إذن هناك آفاق جديدة للتخصص تفتح في وجه الطالب وفقا لميولاته العلمية، على اعتبار أنه درس نفس المقرر في السنتين الأوليتين سواء في الرباط أو في فاس.
الجديد في هذا التغيير أيضا، هو ضرورة تخصيص على الأقل 30 بالمائة من الحصص الدراسية للتطبيقات أو الأعمال الموجهة، إضافة إلى إدراج مادة الثقافة المقاولاتية في السنة الثالثة لتمكين الطالب من الانفتاح على سوق الشغل وإنشاء مقاولته الخاصة. إضافة إلى عدم تجاوز مجزوءتين في كل وحدة، وهو أمر كنا نشتغل به في شعبة علم النفس بفاس سابقا.

3. عادة ما يتذمر الطالب من نظام الموازنة ومن النقطة الموجبة للرسوب، هل بإمكانكم توضيح هذه المسألة؟
إن النقطة الموجبة للرسوب تعتبر من الأمور الواردة في دفتر الضوابط البيداغوجية لنظام الوحدات، وهي مسألة معمول بها في كل الجامعات التي تعتمد هذا الأسلوب في التكوين. الهدف من هذه المسألة هو أن يشعر الطالب بأنه لم يجتهد بالقدر الكافي وعليه بذل المزيد من الجهد، لأن مستواه في التكوين في هذه المادة لم يرق إلى الحد الأدنى المطلوب. أما نظام الموازنة، فيتخذ مسارين: الأول هو الموازنة بين المجزوءات في نفس الوحدة، أي عند حصول الطالب في الوحدة على معدل 10 فما فوق، فإنه يعتبر مستوفيا لهذه الوحدة (مثلا أن يحصل في مجزوءة على 8 وفي المجزوءة أخرى على 12 ضمن نفس الوحدة). الثاني هو الموازنة بين الوحدات في نفس الفصل، بمعنى أن الطالب قد استوفى 3 وحدات بمعدلات تفوق 10، وحصل في وحدة رابعة على معدل أقل من 10، إن كان لديه ما يكفي من النقط للحصول على معدل 10 في الفصل، فإن الوحدة التي لم يحصل فيها على المعدل تستوفى بالتآزر بين باقي الوحدات المشكلة للفصل، لكن شريطة أن لا يحصل الطالب على نقطة أقل من 5 في إحدى المجزوءات. وللإشارة فقط، فإن الملف الوصفي الذي تقدم به مسلك علم النفس، أكد على ضرورة حصول الطالب على نقطة 10 في كل المجزوءات ليستوفي الفصل، وبذلك تكون نقطه مرتفعة وتمكنه من التقدم للمباريات بشكل مريح، إلا أننا اضطررنا لتوحيد طريقة اشتغالنا مع باقي المسالك بالكلية وبباقي كليات الجامعة، لأن البرنامج المعلوميات لا يمكنه أن يشتغل بطرق مختلفة. إما أن يشتغل بنظام التآزر بين الوحدات أو بدونه.

4. هل استشعر الطالب في علم النفس حقيقة المواد التي يدرسها بالمسلك؟ وما هو الخيط الرابط بين هذه المواد ومجالات تطبيقها؟
من المفروض أن التكوين الذي يتلقاه الطالب يجعله ملما بأهم ميادين علم النفس، وهي أريعة: الإكلينيكي والنمائي والاجتماعي والمعرفي، إضافة إلى ميدان حديث هو علم النفس العصبي (النورولوجيا). ويمكن الجزم بأن طالب علم النفس يتلقى تكوينا فيما أنتج في الحقل السيكولوجي في الأربعين أو الخمسين سنة الأخيرة، وهو ما يسمح لنا بالقول إن ما يكتسبه الطالب من معارف (نظريا ومنهجيا) حديث جدا، إضافة إلى معطيات علمية حول تاريخ علم النفس عامة وتطوره. بالطبع هناك بعض القصورات التي تعتري هذا التكوين، نذكر منها على الخصوص نقص المؤطرين وانعدام وسائل الاشتغال التطبيقي (من مختبرات وروائز واختبارات وقاعات خاصة...). نرجو أن نتجاوز هذه العوائق مع الإصلاح الجديد للتعليم الجامعي. أما بخصوص وعي الطالب بذلك، فأشير بالخصوص إلى أن من يثابر على دراسته والانخراط فعلا في الأنشطة الجامعية والأكاديمية، والتي تعتبر جزءا من التكوين الذاتي للطالب، فإنه يكتسب من خلالها معارف ومهارات تؤهله للانفتاح على الواقع والاشتغال فيه بكل ثقة، هذه الفئة من الطلبة يمكن الجزم بأنها واعية كل الوعي بأهمية ما تدرسه، بل وتساهم في تنشيط الحقل السيكولوجي، سواء داخل الجامعة أو خارجها. إن هؤلاء الطلبة هم أمل مستقبل علم النفس ورهانه.

5. في هذا الإطار، نلاحظ أنه في السنوات الأخيرة عرف مسلك علم النفس دينامية على مستوى تنظيم الأنشطة العلمية سواء داخل الجامعة أو خارجها، نذكر من بينها "الأيام السيكولوجية"، هل يمكنكم التحدث عن هذا العرف السنوي؟
بالفعل، عندما يقترن اقتناع طالب علم النفس بالمسار الذي اختاره لنفسه، وطموحه في أن يكون فاعلا وليس متلقيا سلبيا، وعندما تهيئ الظروف الموضوعية لذلك (أقصد تفاعل إدارة الكلية إيجابيا مع ذلك)، نجد أن إبداعات الطالب لا حدود لها. لنأخذ على سبيل الذكر الأيام السيكولوجية" التي دأب طلبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية على تنظيمها سنويا. إنها بالفعل نموذج على ما يمكن للطالب أن يقوم به لتحقيق ذاته أولا كطالب في علم النفس، وأن يعرف بالعلم الذي اختار دراسته، ثم الأهم من ذلك، أن ينخرط كلية في الإشراف على هذه التظاهرة وتنظيمها من بدايتها إلى نهايتها. فقط من سبق له أن انخرط في تنظيم ندوات يعرف الجهد الكبير الذي يلزم بذله لتحقيق ذلك. إن هذه التظاهر تدوم ثلاثة أيام، وتشمل مداخلات نظرية وورشات تكوينية، وهو الأمر الذي يعتبر قيمة مضافة للطالب، إذ يعمل من جهة على الاطلاع على الجديد في الدراسات السيكولوجية، ويستفيد أيضا من ورشات تكوينية تطبيقية. وكأننا به يريد أن يغطي ذلك النقص في المجال التطبيقي الذي يسم تكوينه. إن طلبة من مثل هؤلاء، هم المعول عليهم للانخراط في الواقع بكل ثقة ليبوئوا علم النفس المكانة التي يستحقها، وأنا أكيد أن مثل هؤلاء الطلبة سيندمجون في سوق الشغل بكل يسر وسهولة، ماداموا قد اكتسبوا خبرات ومهارات عملية وتطبيقية تؤهلهم ليكونوا فاعلين في واقعهم.
قلت أن "الأيام السيكولوجية" هي نموذج فقط لما يقومون به، لأنهم بالفعل منخرطون بشكل جدي في تنشيط الحقل العلمي والأكاديمي بالكلية، ولكنهم أيضا مساهمون بفعالية في مؤسسات المجتمع المدني (جمعيات مثلا) من خلال أنشطتهم التوعوية والتثقيفية والتكوينية، وانخراطهم مع جهات تهتم بالإنصات والدعم وغيرهما.
ومن هذا المنبر أهنئهم على هذه الديناميكية التي خلقوها في شعبة علم النفس خاصة وبالكلية عامة، وهي الديناميكية التي بدأ يقتدي بها طلبة آخرون من شعب أخرى، فهنيئا لهم مرة أخرى بهذا المشعل الذي رفعوه، وأشجعهم بقوة على المضي قدما في هذا المسار الذي اختطوه لأنفسهم.

6. تحدث الميثاق الوطني عن انفتاح الجامعة على المحيط السوسيواقتصادي، إلى أي حد تحقق هذا الانفتاح؟ وهل علم النفس وجد نفسه في هذا المحيط؟
أشير بداية إلى أن علم النفس مرتبط عضويا بمحيطه، فأينما وجدت المشاكل يوجد علم النفس لحلها، على اعتبار أن دور علم النفس هو دراسة الإنسان في كل تجلياته، وعلى مستوى علاقاته مع محيطه، إذن فعلم النفس ملزم طبيعيا بأن يكون منفتحا على محيطه لأنه ببساطة يدرس الإنسان. أما عن انفتاح الجامعة على المحيط، وسأتحدث هنا عن علم النفس، يمكن أن نقول أن علم النفس في السنوات القليلة الماضية قد عرف انفتاحا متميزا على مكونات المجتمع المدني، هذه البادرة التي انخرط فيها الأساتذة ولكن بالخصوص طلبة علم النفس بشعبة علم النفس بفاس. وهو أمر يجب التنويه به، قد عمل على خلق شعور لدى المواطنين بأهمية علم النفس في الحياة العامة، وما إصرار مكونات المجتمع المدني من جمعيات وأطر تربوية وأطر التوجيه وغيرهم للاستفادة من خبرتهم، إلا دليل على هذه الحاجة الملحة لانخراط علم النفس في إيجاد الحلول لجملة من المشاكل التي تعتمل في المجتمع.
إلا أن المشكل الذي يواجه الجامعة هو عدم انفتاح المؤسسات الرسمية أمامها. أذكر مثالا بسيطا، هو أن الطالب الذي يريد القيام بدراسة ميدانية مجبر على تقديم الوثائق الضرورة وانتظار الرخص لذلك لمدة قد تزيد عن الشهر، ناهيك عن إمكانية حصوله على الموافقة للقيام بتداريب ميدانية في إحدى المؤسسات الرسمية. فهل الجامعة هي التي لا تنفتح على محيطها أم أن محيطها هو الذي يشتغل بعقلية متخلفة ترفض أن تقوم الجامعة بدورها الحيوي؟

7. دخل الإصلاح الجامعي سنته السادسة، وتخرجت أفواج من الطلبة الذين درسوا وفق نظام الوحدات، هل يمكن أن نتحدث عن قصور في هذا التكوين، علما أننا نسمع الآن "بإصلاح الإصلاح"؟
إن المشكل ليس في تغيير المضامين، بكل تواضع يمكنني التأكيد بأن البرنامج التكويني لطلبة علم النفس بفاس، من البرامج المتقدمة جدا، ويضاهي ما يدرس في الجامعات الغربية التي لها تاريخ عريق في علم النفس. وبالمناسبة، فإن العديد من التصورات التي كنا نعمل بها بشعبتنا هي التي ستصبح سارية المفعول في الإصلاح الجديد. وكما ذلك قلت سابقا، إن الطالب يلم بالحقول الأساسية لعلم النفس، مع توجه يطبع التكوين بشعبة الفلسفة بفاس نحو البعد المعرفي في السيكولوجيا. ويمكنني التأكيد أيضا أنها خصوصية تميز هذه الشعبة على امتداد الوطن العربي. وهذا أمر يشرف أساتذة وطلبة شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – ظهر المهراز بفاس. المشكل يكمن أساسا في أمرين اثنين: أولها مرتبط بنقص المؤطرين، وأشرت إلى ذلك سابقا، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن التدريس في علم النفس يجب أن يكون تطبيقيا ونظريا في الوقت نفسه، وهو ما يحتم تفويج الطلبة إلى مجموعات تضم بين 35 و40 طالبا. الأمر الثاني هو انعدام وسائل التدريس التطبيقية من اختبارات وروائز وأجهزة ملائمة للتكوين العملي، مع عدم توفر قاعات مجهزة للقيام بتداريب حول تقنيات المقابلة والإنصات وغيرها، تكون على شكل عيادات للعلاج النفسي.
وهنا أعطي مثالا بجامعة تولووز الفرنسية: على مستوى العدد المسجل بها، نجدها تضم حوالي 1200 طالب في علم النفس، وإذا عرفنا أن عدد الأساتذة الرسميين هو 78 أستاذا، وأن عدد الأساتذة العرضيين هو ما بين 360 و400 أستاذ (حسب عدد الأفواج)، نلاحظ الفرق المهول بين واقعنا بفاس وواقع التكوين بمجامعة تولوز على مستوى التأطير، إذ أن عدد الطلبة بشعبة علم النفس هو حوالي 1300 طالب، وعدد المؤطرين الرسميين هو 8، وعدد المؤطرين العرضيين هو 4. إذن لا مجال للمقارنة مع وجود الفارق.
المشكل ليس في تغيير المضامين، بل في توفير الإمكانات الضرورية لتحقيق التكوين الجيد.

8. لقد صاحب علم النفس تمثل اجتماعي مشوه، قوامه أن من يخضع للتدخل النفسي "أحمق"، كيف يعمل مسلك علم النفس على تصحيح هذا التمثل؟
بالفعل، إن التمثلات الاجتماعية حول علم النفس كانت سلبية للغاية، وربما لإحدى أسباب هذا التمثل السلبي هو ما يوحي به تركيب "علم النفس"، إذ يعتبر الشخص الدارس لهذا العلم مطلعا على دواخل النفس البشرية (مثل الساحر أو المنجم...)، والنفس البشرية شيء غامض لا يمكن الوصول إليه إلا بأساليب تشبه السحر والتنجيم وغيرهما. من جهة أخرى، إن ارتباط الاضطرابات النفسية في المخيلة الشعبية بالجن والمس وغيرها، تقود إلى بلورة هذا التصور، بمعنى أن من يلتجئ إلى خدمات عالم النفس قد أصبح في فئة الحمقى. يمكن أن نجمل القول في أن انتشار الأمية وانحسار علم النفس بالجامعة قد خلق المجال الخصب لانتشار مثل هذه التصورات. لكن الملاحظ الآن، أن جزءا كبيرا من الطبقة المتعلمة، وحتى غير المتعلمة التي يوجد فرد من العائلة فيها متعلما، أصبحت تقتنع بشكل أكبر بجدوى الاستشارة النفسية. فأمام تعقد المجتمع وتعقد مكوناته وعلاقاته، أصبحت هذه الاستشارة تفرض نفسها أكثر فأكثر. فعلم النفس لا يرتبط أساسا بالعلاج، بل إنه منفتح على التربية والاستشارة والإنصات والدعم والإرشاد... لكن هذا الأمر يستلزم مواكبة تشريعية وقانونية يلزم على المشرع المغربي تنظيمها وضبطها.

9. في هذا الإطار نلاحظ أن القانون المغربي يعطي للطبيب النفسي psychiatre عدة صلاحيات أو مجملها، لدرجة ممارسة كل الاختصاصات النفسية، هل يمكن توضيح هذه النقطة؟
فعلا، إن القانون المغربي يعرف فراغا مهولا في هذا الباب، إذ أن القانون يعطي كل الصلاحيات للطبيب النفسي، سواء تعلق الأمر بالخبرة أو تقييم الحالة النفسية وتشخيصها، وغيرها من الصلاحيات القانونية، في حين نجد أن الحقل السيكولوجي العالمي قد تعزز بتخصصات أخرى من بينها المعالج النفسي والمرشد النفسي وغيرهما، لدرجة أننا نجد مثلا متخصصا نفسيا في العلاقات الزوجية أو في تربية الأبناء، أو في تدبير الضغط النفسي في مراكز الإنتاج... وهذه التخصصات أصبحت مأطرة ومهيكلة ومقننة في الدول الغربية، عكس ما نلاحظه في المغرب، بالرغم من تشابه واقعنا الحالي بشكل كبير مع واقع المجتمعات الغربية. إن حل هذا الإشكال يحتم تضافر جهود المشتغلين بعلم النفس، من أجل توحيد جهودهم ليصبحوا قوة اقتراحية تساهم في تغيير القوانين والتشريعات الجاري بها العمل ببلادنا. ‘ن مثل هذا التغيير القانوني هو الذي سيفتح باب التشغيل أمام طلبة علم النفس.

10. أصبح اليوم الحديث متداولا عن علم النفس المعرفي، هل يمكنكم توضيح هذا التوجه للقارئ؟ وكيف يمكنه التدخل عمليا في حل المشاكل التي يعرفها المجتمع؟
بالفعل إن التوجه السائد الآن، هو التوجه المعرفي في علم النفس، وعندما نقول توجه معرفي، فإننا نقصد أن التطور التاريخي لعلم النفس قد وصل مرحلة من النضج والعلمية جعلته يدرس العمليات الذهنية للإنسان، أي كيف يكتسب الإنسان المعارف والمهارات، وكيف يخزنها وكيف يعالجها ويسترجعها. إذن تحول اهتمام علم النفس من بنيات سيكولوجية أشبه ما تكون بالبنيات الافتراضية المبنية على التشبيهات بالأساطير وغيرها، إلى دراسة بنيات ذهنية مرجعيتها هي العلوم الحديثة من مثل البيولوجيا والنورولوجيا وغيرهما. يمكن القول إذن إن علم النفس المعرفي مؤسس على قاعدة علمية صلبة. وهذه مسألة فرضها التطور التاريخي والعلمي لعلم النفس من جهة، وللعلوم الأخرى من جهة ثانية. وقد أثبت هذا التوجه مصداقيته من خلال الدراسات التجريبية.
فعلم النفس المعرفي ينظر إلى الإنسان نظرة ثلاثية الأبعاد: معرفية ووجدانية وسلوكية. وأن هذه العناصر الثلاثة هي التي تشكل بنية الإنسان وليس نظاما افتراضيا بعيدا عن الواقع. إن هذه العناصر الثلاثة تتفاعل فيما بينها لتشكل نمطا معينا لشخصية الفرد. إلا أن المنطلق في ذلك هو البعد المعرفي، أي كيفية اشتغال ذهن الإنسان وكيف يعالج لمعلومات التي يستقبلها من الواقع. فطريقة تفكير الإنسان هي التي تحدد السلوك الذي يقوم به هذا الإنسان. وهذه الطريقة في التفكير تؤثر على حالاته الوجدانية وعلى السلوكات الفعلية التي تتمظهر واقعيا. مثلا بالنسبة لإنسان الذي يخاف الحديث أمام الجمهور (رهاب الجمهور)، فإن الأفكار التي لديه حول هذه الوضعية هي التي تثير لديه مخاوف وانفعالات وجدانية سلبية تتمظهر في سلوكه الظاهر مثل الارتعاش أو احمرار الوجه أو اضطراب الكلام. وكل تدخل علاجي وفق التصور المعرفي، يجب أن ينصب على تغيير الأفكار التي لدى الفرد وليس على السلوكات الخارجية (أي النتيجة)، مادامت هذه السلوكات تكون نتيجة لطريقة تفكير الإنسان ومعالجته للمعلومات.
إذن نلاحظ أن لعلم النفس المعرفي امتدادات علاجية دقيقة، قوامها أنها تشتغل على مشكل محدد (مثالا الخوف من الحديث أمام الجمهور)، ويعمل المعالج النفسي المعرفي على تغيير أفكار الفرد حول هذا المشكل المحدد، وفي جلسات علاجية محددة في العدد وفي الزمان. وهو ما يستلزم من الشخص الذي يرغب في العلاج أن يساهم في علاجه بنفسه، من خلال القيام بتمارين منزلية يسجل فيها الحالات الوجدانية التي تنتابه، وكذا الأفكار التي دارت في رأسه قبل أن يصل إلى هذه الحالة الوجدانية. وهو الأمر الذي يسمح للفرد، من خلال التعلم، أن يضبط هذه الأفكار بشكل ذاتي ويعمل على تغييرها أو تليينها.
كما نجد لعلم النفس المعرفي امتدادات تربوية مهمة، فالتدريس بالكفاءات الذي نسمعه كشعار، يجد مرجعيته في علم النفس المعرفي، الذي يركز على قدرة المتعلم على التعلم الذاتي، وعلى خصوصيات المتعلم، خصوصا التركيز على تعليم كفاءات محددة وليس التركيز على تلقينه معرفة جاهزة، مادام أن المتعلم له القدرة على التعلم الذاتي، وهو ما نلاحظه في المعارف الساذجة التي يستقيها المتعلم بشكل ذاتي قبل دخوله المدرسة. إذن مهمة المدرسة هو تصحيح هذه المعارف وتطوير قدرات التعلم الذاتي للمتعلم، وتوظيف هذه القدرات في الحياة المدرسية أولا، وفي الحياة الاجتماعية بعد ذلك. إن تطوير كفاءات التلميذ ليس هو منحه نقطة تحدد نجاحه أو رسوبه في الامتحان، بل المقصود هو أن نتأكد هل المتعلم اكتسب هذه الكفاءة أم لم يكتسبها (مثلا كفاءة الإضافة أو القسمة أو غيرها). فالكفاءات لا يتم تقييمها من خلال نقط تمنح للتلميذ، مادامت النقطة تعبر عن كمية المعلومات التي خزنها التلميذ في ذاكرته واسترجعها في الامتحان. إذن نكون هنا نقيس كمية المعلومات المخزنة في الذاكرة وليس الكفاءة.

11. صدر لكم كتاب جديد مشترك مع الدكتور إسماعيل علوي تحت عنوان " العلاج النفسي المعرفي: مدخل إلى تدبير صعوبات الحياة اليومية والتخفيف من المعاناة النفسية"، هل يمكنكم تقريبنا من محتواه والجديد الذي تطرحونه فيه؟ وهل هناك من إصدارت أخرى في المستقبل؟
إن هذا الكتاب الجديد الذي نشر بالأردن، يتطرق عموما إلى العلاج النفسي المعرفي، وكما ذكرت ذلك سالفا، فإنه العلاج الذي يتخذ السيكولوجيا المعرفية مرجعا نظريا له. إن هذا الكتاب جاء نتيجة لمطالب مجموعة من فعاليات المجتمع المدني. إذ أنني كنت أقوم بمعية زميلي الدكتور إسماعيل علوي، بتنشيط دورات تكوينية في المقابلة والإنصات لمجموعة من فعاليات المجتمع المدني من جمعيات مهتمة وأطر تربوية وأطر التوجيه وغيرهم. كان المطلب الأول لهذه الفئة هو أن نقدم لها شيئا عمليا، أي تقنيات للاشتغال والاستعمال الآني، المطلب الثاني هو إرشادها إلى مرجع يساعدها على إتمام التكوين وتطوير مهارتها. ولأن جل الدراسات في هذا المجال بالإنجليزية أو الفرنسية، فإننا قررنا أن ننجز هذا الكتاب الذي يجمع بين المعطيات النظرية والتقنيات العملية، طبعا بعد تأطيره نظريا حتى يكون المشتغل به على علم بالإطار النظري الذي يتحرك ضمنه.
فبعد أن حددنا أسس ومنطلقات العلاج النفسي المعرفي، عملنا على رصد خصوصيات واستراتيجيات الاشتغال فيه، وأردفنا ذلك بتقنيات التشخيص وأسلوب العلاج، ثم ختمنا الكتاب بنماذج علاجية، تطرقنا فيها بالخصوص إلى الرهاب الاجتماعي والاكتئاب والفصام. ثم ختمنا الكتاب بكيفية الوصول بالعلاج المعرفي إلى أن يصبح فلسفة يومية يمارسها الفرد في حياته العادية، ليحقق مبدأ الوقاية النفسية، ويتمكن من تدبير صعوبات وضغوطات الحياة اليومية.
إن فكرة الكتاب بسيطة في حد ذاتها: إن كل السلوكات غير التوافقية التي تصدر عن الفرد تكون نتيجة لإشراطات تعلمها الفرد بين الواقع وما يوجد في ذاكرته، وإذا كانت المسألة كلها ترتبط بمعلومات في الذاكرة تعلمها الفرد في مرحلة معينة من حياته، فإنه يمكن أن يتعلم سلوكات أخرى أكثر توافقية مع المحيط، وبالتالي يحقق توازنه النفسي.
ولتحقيق ذلك، عملنا على أن يكون الكتاب مبسطا ومدرسيا إلى حد ما، أي أننا حاولنا أي يكون في متناول فهم مختلف شرائح المجتمع، من متخصصين في علم النفس وغير المتخصصين فيه. ولتحقيق هذه الغاية، عملنا على أن نحدد الأفكار المهمة ونضعها في إطارات، وأن نوظف الخطاطات التوضيحية بشكل كبير ليكون الكتاب ميسرا وسهل الفهم.
أما بخصوص المشاريع المستقبلية، فيمكن القول إن الباحث لا يعيش إلا لينتج، إن البحث والإنتاج هما الأكسجين والغذاء الذي يبقي الباحث على قيد الحياة.

tabti 11-05-2009 01:19 AM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
mérci Dr zarbouch . si possible je voudrais ajouter une question concernant le 3 cycle en psychologié :

c'est vrai Qu'il y a un manque au niveau des prof de psychologié ,mais je pense que tous les domaines au maroc souffraient de manque important au niveau de personnels. donc je pense Que les prof ne doivent pas réster avec bras croisés ,cest une occation de faire des sacrifaices ,et nous avons la preuve dans méme univérsité sidi mohamed bn abdellah et plus précisement dans la faculté de droit ainsi la branche de l'économié contient cette année 7unités de master .
DONC la question à Dr zarbouch ;est ce qu'il ya une eventuel sacrifaice de la part des prof pour l'ouverture d'une unité de master


mérci.

محسن01 20-05-2009 01:51 PM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
شكرا لك على الموضوع اخي

التوزاني خالد 01-06-2009 12:05 AM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
شكرا جزيلا أستاذنا الفاضل
أسأل الله عز وجل أن يحفظكم ويمنحكم الصحة والعافية, ومزيدا من التألق والنجاح.
وأشكر الطالبين اللذين أدارا الحوار.
مثل هذه الحوارات هامة جدا , لأن القارئ يكتشف من خلالها جزءا من تجربة الباحث وأخلاقه العالية من نكران للذات وتضحية وبذل المجهود في سبيل نهضة هذا الوطن.
لقد استمتعت كثيرا بالحوار واستفدت من الأفكار القيمة التي جاءت فيه.
شكرا جزيلا لكم مرة ثانية.

عبدالخالق علومه 13-06-2009 06:30 AM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
السلام عليكم
استاذنا الفاضل
بعد التحية
الحقيقة انا طالب دكتوراة وموضوعي حول تنظيم الذاكراة واسترجاعها . فاياريت نجدو منكم تعاون بالخصوص من حيث مدنا بالاقتراحات التي تراها مناسبة .
ولكم جزيل الشكر

نورس 18-06-2009 05:27 PM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا على هذا الحوار الجميل و المفيد
وجزاكم الله كل خير

hakima 21-06-2009 01:14 PM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
bonjour svp je voudrais savoir si c est possible de participer au formation de jui 2009 pour les s4

sami 18-07-2009 12:15 PM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
مشكورين أخ حمزة وأخ عبد الاله على هذه المبادرة التواصلية التنويرية، نرجو المزيد من هذه المبادرات

hind 24-11-2009 09:38 AM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
حوار غني ومفيد، نرجو اباع هذا المسار لإفادة الجميع، وأجو الانفتاح على أعلام كبار في علم النفس بعالمنا العربي، فمشكلنا هو غياب التواصل معهم

hadi 28-01-2010 08:26 PM

رد: حوار مع الدكتور بنعيسى زغبوش
 
مبادرة تستحق الشكر على المعلومات القيمة في هذا الحوار


الساعة الآن 02:25 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

استضافة و تطوير: شركة صباح هوست للإستضافه